روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | الصـبر في الدعــوة إلى الله

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > الصـبر في الدعــوة إلى الله


  الصـبر في الدعــوة إلى الله
     عدد مرات المشاهدة: 3140        عدد مرات الإرسال: 0

واجب الدعوة إلى الله تعالى هو الواجب العام الذي يشمل أفراد الأمة جميعا. قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108] فكل مسلم مأمور بالدعوة إلى الله تعالى؛ لأنه من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، والآية الكريمة تبين سبيل النبي صلى الله عليه وسلم وهو الدعوة على بصيرة، ويقول: {أنا ومن اتبعني}، ونحن أتباعه، فالدعوة واجبة علينا.

والدعوة هي التي تنقل الأمة إلى الخيرية، يقول تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: من الآية 110]. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النابع من الإيمان بالله هو دعوتنا.

هذه الدعوة لها سلاحان هامان هما: العلم، والصبر.. فهما شرطا صحتها وفاعليتها، أما شرط قبولها عند الله فهو الإخلاص لله سبحانه، فالدعوة لابد لها من العلم لقوله تعالى: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108]، فالبصيرة: هي العلم، وهي الحكمة في قول الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: من الآية 125]، وهي الحق في قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: من الآية 3].

وحديثنا الآن حول الصبر في الدعوة إلى الله سبحانه.

فالله سبحانه وتعالى ينادي المؤمنين: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} ، {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، فهو سبحانه يأمر بالصبر، بل أن نَفُوْقَ عدونا صبرا فنصبر أكثر من صبرهم؛ فإن الفوز والنصر للصابرين، فهو سبحانه يقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: من الآية 249].

والله يأمر نبيه بالصبر مع من يدعوهم فيقول سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: من الآية 28].

وليكن صبرنا في الدعوة هو السلاح الواقي: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران: من الآية 120] ولنعلم أن أجر الصابرين عظيم: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

وتاريخ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم خير مثال يوضح الصبر العملي. يثبتون على حجتهم مهما خالف القوم، فهذا نوح يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما لا يمل من دعوتهم ولم يدع عليهم، ولم ينحرف نحوهم رغم كثرة عدد الكافرين ورغم أن زوجه وولده كانوا من الكافرين. فلما أعلمه ربه: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}، دعا عليهم فقال: {رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}، وصبر على استهزائهم بدعوته.

وكذلك صبر إبراهيم عليه السلام في قومه وكانت الحجة مَنطِقَه الذي يدعوهم به، فحاج ملكهم الذي ادعى أنه إله من دون الله فبهت الذي كفر. وحاج عبّاد الكواكب فغلبهم، وحاج عبّاد الأوثان بالحجة العملية فأقروا أنهم الظالمون، لكن لما غلبهم بالحجة قالوا: {حرقوه وانصروا آلهتكم}، فالعبد الضعيف ينصر إلهه، ضعف الطالب والمطلوب. لكن الله جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم.

وكذلك صبر إسماعيل على الذبح ففداه الله بذبح عظيم. وصبر يعقوب على كيد ولده وفراق يوسف فأظفره الله. وصبر يوسف على ترك الشهوة الحرام لما دعته ذات المنصب والجمال فقال: معاذ الله. وصبر على السجن مظلوما. بل لما خير بين الفحشاء والسجن قال: {رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه}. وكان عاقبة صبره أن رفعه الله في الدنيا، ولأجر الآخرة أكبر.

وكذلك صبر أيوب، وصبر داود، وصبر موسى صبرا عظيما على فرعون، بل وعلى بني إسرائيل يدعوهم فيتفلتون، وصبر عيسى عليه السلام حتى أراد قومه صلبه لما لم يستطيعوا مجاراته فأنجاه الله منهم ورفعه إليه: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: من الآية 157]، وكان صبر نبينا الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الصبر وعاقبته خير عاقبة، وجعل ذكره باقيا حيث جعل الله معجزة كل نبي تنتهي قبل موته، فلم يبق إلا أكبر معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم وهي التي أبقت في القلوب الإيمان بالأنبياء وبمعجزاتهم وبنزاهتهم وصدقهم وصبرهم في دعوتهم لأممهم.

والله سبحانه جعل في كل أمة رسولا، فلما ختم الرسالات جعل الدعاة إلى الله هم الذين يخلفون الرسل في هذه الدعوة فيقومون بها فلابد أن يتخذوا من الصبر والعلم والإخلاص عدة لهم حتى يؤيدهم الله بقوته: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: من الآية 3].

فمنهج الإسلام منهج كامل لا يحتاج إلى إضافة أو حذف أو تغيير؛ لأن الله أكمله وأتمه ورضيه. من أجل ذلك كانت الدعوة إلى الله بالقرآن والسنة كما فهمها خير القرون الذين زكاهم الله وزكاهم نبيه صلى الله عليه وسلم هو المنهج الصواب الذي يجب علينا أن نصبر على تعلمه، وأن نعلمه الأهل والأقارب، وأن نصبر على تعليمه للناس.

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الصابر الأول، إمام الصابرين في كل أمر. وجاءه الوحي يعلمه الصبر من أول نزوله حيث جاءه الملك في الغار يقول له: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ»: قال: «فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد»، ثم قال لي: اقرأ. فمع التكليف ضمه ضمة قوية لتعلم الصبر.

فلما أمره: {وأنذر عشيرتك الأقربين} ، كان أول كافر به عمه أبو لهب فصبر.

فلما جاءه قومه يعرضون عليه العروض للتخلي عن الدعوة قال: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أدع هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما فعلت»، فصبر على الدعوة.

فلما آذاه قومه بالسباب والهجر وسائر صنوف الأذى صبر، فلم يدع عليهم، بل دعا لهم بالهداية.

فلما قاتلوه صبر لقتالهم.

وأخذ يصبر في دعوة الناس، فيقبل من جاهلهم، ويعفو عن مسيئهم ويرشد ضالهم ويحلم على من يسفه عليه.

ولقد سار سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم على منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والصبر. فصابرو في طلب العلم والعمل به والدعوة إليه، فنشر الله بهم الإسلام حتى ملأ آسيا وأفريقية، ودخل أوربا، فنحن بعض ثمار دعوتهم.

فالمسلم في حاجة إلى الصبر لتحصيل العلم وطلبه.. فيصبر مع القرآن والسنة حفظا وفهما، ويصبر على لزوم الصحيح من الأفهام، فلا تغره شبهات أهل الضلال، ولا تنحرف به سبل الشيطان، فتفرق به عن سبيل المؤمنين، ثم يصبر المسلم على العمل بذلك العلم فتكون القلوب معتقدة الحق والجوارح عابدة لربها مقتدية بالنبي صلى الله عليه وسلم، ويكون السلوك موافقا لذلك العلم في النفس والمال وكل أمر لله فيه مقال.

ثم يصبر المسلم على ترك المعاصي رغم توفر دواعيها في النفس وتفشيها في المجتمع من حوله، ثم يصبر على دعوة الناس لذلك العلم متحملا صعاب الدعوة صابرا مع المتعلمين، يرفق بهم، ويحسن إليهم.

صبر المسلم في بلاد الكفر:

1- صبره في الثبات على الإيمان اعتقادا وعملا.

2- صبره على تعليم أهله وتثبيتهم على الحق.

3- صبره في مواجهة الدعوات الضالة التي تشتت على الناس دينهم.

4- صبره على العصاة حتى يلتزموا الطاعة، ويتركوا المعصية.

5- صبره على أن يكون ممتثلا الإسلام في نفسه، فلا يراه الناس على محرم، ولا يهجر طاعة، ولو دعته لذلك حاجة ولكن يصابر ذلك.

6- صبره على إحسان صلته بربه في سره وعلنه.

ويبقى باب الصبر بابا واسعا يلج منه الدعاة إلى الله والسائرون في طريق الحق ممتثلين نصب أعينهم دائما وأبدا قول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200].

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

المصدر: موقع الشبكة الإسلامية.